شهدت العلاقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد توترات متزايدة منذ عام 2003، خاصة فيما يتعلق بتوزيع عائدات النفط ورواتب القطاع العام وتفسير الدستور. لقد تكثفت هذه الأزمة المستمرة في السنوات الأخيرة، لتشمل نزاعات حول عقود الغاز الطبيعي وتخصيصات الميزانية والأسئلة الأساسية حول السلطة الاتحادية. وقد تعقدت الوضعية أكثر بسبب التأخير في تشكيل برلمان وحكومة جديدين في إقليم كردستان بعد انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2024، مما يسلط الضوء على تحديات الحوكمة النظامية. تحتج هذه المقالة بأن الإخفاقات السياسية للقيادات السياسية قد أوجدت أزمة مؤسسية متعمقة حيث يتحمل المواطنون العاديون — المعلمون وعمال الرعاية الصحية وضباط الشرطة والمتقاعدون والموظفون العموميون — العبء الأكبر. في الوقت نفسه، تواصل النخب السياسية تقويض الوحدة الوطنية من خلال الخطاب المثير للانقسام والشلل المؤسسي. إن العودة إلى الحوكمة الدستورية والوضوح القانوني والقيادة المتمحورة حول المواطن أمر ضروري بشكل عاجل لاستعادة الثقة العامة والوظيفة المؤسسية.

قدم سقوط البعثيين في عام 2003 فرصًا غير مسبوقة لبناء مؤسسات ديمقراطية شاملة وإنشاء نظام اتحادي يمكن أن يستوعب تنوع مكونات البلاد. ومع ذلك، فقد كافحت القيادات السياسية لترجمة الأطر الدستورية إلى ممارسات حوكمة فعالة. بدلاً من التركيز على بناء المؤسسات والتنمية المستدامة، انغمست النخب السياسية في حسابات عرقية - طائفية أولت مصالح المجموعة على التماسك الوطني. إن غياب آليات واضحة متفق عليها بشكل متبادل لحل النزاعات الاتحادية - الإقليمية قد خلق أزمات متكررة تقوض استقرار النظام الاتحادي بأكمله. لقد تأثر المشهد السياسي لإقليم كردستان بشكل خاص بهذه التحديات. إن التأخير في تشكيل برلمان وحكومة جديدين بعد انتخابات تشرين الأول 2024 يمثل نقطة ضعف حرجة في العملية الديمقراطية للإقليم. لقد حدث هذا الشلل المؤسسي في وقت تحتاج فيه إلى قيادة قوية وموحدة لمعالجة العلاقة المعقدة مع بغداد والتصدي للتحديات الاجتماعية والاقتصادية الملحة التي تواجه مواطني الإقليم.

أصبح النزاع المستمر حول رواتب القطاع العام رمزًا للأزمة الاتحادية-الإقليمية الأوسع. إن قرار الحكومة الاتحادية بحجب أو تقليل دفع الرواتب لموظفي حكومة إقليم كردستان قد أثر مباشرة على مئات الآلاف من العائلات في الإقليم. لقد وجد المعلمون وموظف الرعاية الصحية والموظفون المدنيون والمتقاعدون أنفسهم محاصرين في معركة سياسية تتجاوز اهتماماتهم اليومية ومسؤولياتهم المهنية. هذه النزاعات المالية متشابكة مع أسئلة قانونية ودستورية معقدة تتعلق بإدارة عائدات النفط وسلطة التعاقد. التطورات الأخيرة، بما في ذلك الدعاوى القضائية حول اتفاقيات الغاز الطبيعي مع الشركات الأميركية، تسلط الضوء على الحاجة الملحة للوضوح القانوني فيما يتعلق بتسوية الخلافات الدستورية في قطاع الطاقة. إن استخدام رواتب القطاع العام كأداة تفاوضية يمثل فشلاً أساسيًا في الحوكمة العصرية. المواطنون الذين يخدمون مجتمعاتهم في أدوار أساسية لا يجب أن يتحملوا تكلفة الخلافات السياسية. هذا النهج يقوض الثقة العامة ويخلق صعوبات غير ضرورية للعائلات التي تعتمد على الدخل المنتظم لتلبية الاحتياجات الأساسية.

أحد أكثر الجوانب إثارة للقلق في الأزمة الحالية هو تدهور الخطاب العام بين المسؤولين في مستويات مختلفة من الحكومة. أصبحت المناقشات السياسية تتميز بشكل متزايد بالهجمات الشخصية واللغة الاستفزازية والخطاب الذي يردد فترات انقسامية في تاريخ العراق. لقد ضخّم انتشار منصات وسائل التواصل الاجتماعي هذه التوترات، حيث تشارك الشخصيات السياسية أحيانًا في تبادلات عامة تقوض مناصبهم والمؤسسات التي يمثلونها. مثل هذا الخطاب لا يضر فقط بالعلاقات المهنية ولكن يساهم أيضًا في استقطاب اجتماعي أوسع وانعدام الثقة. إن اعتماد مصطلحات تذكّر بالفترات الاستبدادية، بما في ذلك تسميات مثل "خارج على القانون" و"العصاة"، يمثل انحرافًا مقلقًا عن الأعراف الديمقراطية للخلاف المحترم والحوار الدستوري. هذا النوع من اللغة يقوض الجهود لبناء ثقافة سياسية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون المؤسسي.

لقد فرضت الأزمة السياسية تكاليف كبيرة على المواطنين العاديين في جميع أنحاء العراق. بعيدًا عن التأثير المباشر للرواتب المتأخرة والخدمات المعطلة، خلقت التوترات المستمرة جوًا من عدم اليقين يؤثر على التماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. غالبًا ما يواجه المواطنون الذين يسافرون بين أجزاء مختلفة من البلاد تعقيدات غير ضرورية في نقاط التفتيش وحواجز إدارية تعكس توترات سياسية أوسع. هذه الصعوبات العملية تعمل كتذكيرات يومية بالخلل المؤسسي وتخلق إحباطًا بين الناس الذين يريدون ببساطة العيش والعمل بسلام.

لا يمكن الاستهانة بالتأثير النفسي لعدم اليقين السياسي المستمر. تكافح العائلات للتخطيط للمستقبل عندما تبقى الخدمات الأساسية وأمن العمالة خاضعة للحسابات السياسية. هذا الوضع صعب بشكل خاص للشباب الذين يسعون إلى فرص تعليمية ومهنية ولكنهم يواجهون حواجز نظامية خلقها الشلل المؤسسي. إنَّ معالجة الأزمة الراهنة تستلزم قيادة سياسية تتحلى بالمرونة، وتضع في مقدمة أولوياتها رفاه المواطن وحقوقه. وفي هذا الإطار، تتوافر لفخامة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني، وبالتنسيق مع دولة رئيس مجلس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني، فرصة استراتيجية لتجسيد الكفاءة القيادية ومهارة إدارة الدولة، من خلال تعزيز التنسيق والعمل المشترك وصولاً إلى حلول واقعية ومستدامة للقضايا العالقة منذ عام 2003.

بدلاً من التصعيد العلني، يمكن إطلاق حوار مشترك وشامل يشمل مراجعة قانونية مستقلة لتحديد صلاحيات الحكومتين، والاستعانة بخبرات دولية في الحوكمة، وإشراك المجتمع المدني في رسم السياسات، مع ضمان تواصل شفاف يعزز الثقة العامة، وتسريع تشكيل مؤسسات إقليم كردستان لضمان تمثيل ديمقراطي فعّال. يتطلب تحقيق الاستقرار طويل الأمد الانتقال من إدارة الأزمات إلى بناء مؤسسات فعالة. ويشمل ذلك توضيح العلاقة بين الحكومتين عبر تفسيرات دستورية من المحكمة الاتحادية، وتطوير مشاريع تنموية مشتركة تعزز التكامل الاقتصادي، وإنشاء آليات تنسيق إداري دائم بين بغداد وأربيل، إلى جانب رفع كفاءة الكوادر الحكومية لضمان تقديم الخدمات بعيدًا عن التأثيرات السياسية.