الفيليون أقوام من الكورد سكنوا مناطق شرق نهر دجلة امتداداً إلى مناطق شرق إيلام، ومن كرمانشاه شمالاً إلى جنوب مدينة العمارة في محافظة ميسان العراقية، ولهم تاريخ عريق في أماكن سكناهم منذ آلاف السنين، وقد ذكرهم الشاعر العربي الأموي مالك بن الريب في مرثيته المشهورة قبل أكثر من ألف عام (مرثية مالك بن الريب).
في العصر الحديث، وبعد انهيار الدولة العثمانية وولادة العراق الجديد ودولة إيران، تم تقسيم الحدود العراقية الإيرانية، الذي شمل خط الفصل الحدودي بين الدولتين جميع مدن وقرى الكورد الفيلية، فأصبح الفيلية في جزئين جغرافيين: جزء إيراني وآخر عراقي. عمدت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ نشأة العراق الجديد إلى تعريب مناطق الفيلية، فرسمت سيناريوهات عدة لذلك منها الضغط على الفيلية للانضمام إلى القبائل العربية في شرق دجلة، وعمليات التهجير السيئة الصيت إلى إيران باعتبار أن جزأهم الأكبر يقع ضمن الأراضي الإيرانية، إلى جانب التشكيك في ولائهم لبلدهم العراق، وإعدام عشرات الآلاف من شباب الكورد الفيلية بحجج مختلفة واهية، كل ذلك من أجل إبعادهم عن ساحة التأثير الثقافي والسياسي والفكري والتجاري للعراق الجديد.
وازدادت وتيرة الضغط بهذه السيناريوهات في زمن حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي حكم العراق من 1968 إلى 2003. هذه السيناريوهات أضعفت الفيلية كثيراً، خاصة أنهم يعانون من عدم وجود السند والدعم من أيّ جهة دولية، فالجميع كان يقف موقف المتفرج من معاناتهم، حتى الهيئات الدولية التزمت جانب الصمت. وكانت إيران راضية عن أفعال الحكومات العراقية، لأنَّ ذلك يشجع الفيلية على الخوف والحرص على وجودهم داخل الأراضي الإيرانية، وبالتالي تقديم الولاء المطلق لهم. وكان ذلك واضحاً إبان الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، عندما شمل التدمير مدن وقرى الكورد الفيلية في كلتا الجهتين العراقية والإيرانية، فكانت لأفواج المقاتلين الفيلية في الجانب الإيراني دور كبير في الحرب وقدموا التضحيات.
لكن بعد سقوط حزب البعث وإزاحته عن حكم العراق في عام 2003 على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، عاد الكورد الفيلية يتعافون من جراحات الماضي وبدأوا بلملمة قواهم، متفائلين بعراق ديمقراطي جديد، إلا إنهم فوجئوا بأنَّ الحكومات الديمقراطية الجديدة تحمل نفس أنفاس حزب البعث الشوفيني العنصري، لكن بصيغة غير دموية، هذه المرة بطريقة التهميش والإهمال واللامبالاة لحقوق الفيلية المسلوبة، وعدم فسح المجال لأخذ دورهم، رغم أن غالبية الفيلية يحملون نفس العقائد المذهبية التي تحملها حكومات العراق ما بعد عام 2003، إلا أن ذلك لم يشفع لهم.
على المستوى الشعبي، يختلف الأمر تماماً عن المستوى الحكومي، فهناك تواد وتراحم وتصاهر ومحبة كبيرة بين الفيلية والمجتمع العربي في الجانب العراقي، والشيء نفسه مع المجتمع الفارسي على الجانب الإيراني. ولهذا السبب لم نسمع طوال التاريخ عن أية صراعات ونزاعات عرقية بين الكورد الفيلية وجيرانهم من العرب والفرس.
من مزايا الكورد الفيلية التي يعرفها القاصي والداني أنهم أقوام مسالمون، متعاونون، مبدعون، فقد شهدت الساحات الثقافية والفنية والرياضية والعلمية والتجارية العراقية إبداعات فريدة من نوعها، كان للفيلية بصمة واضحة فيها. وبسبب تغييبهم المتعمد، انعكس ذلك دولياً وإقليمياً سلباً على موقع العراق الحضاري بين الأمم، الذي كان حاضراً في كل المناسبات.
لذا، نتأمل أن يتعافى العراق كبلد عريق معطاء، وذلك مرتبط بتعافي جميع مكونات هذا البلد، وعلى رأسهم الكورد الفيلية.
التعليقات