الخوض في تاريخ الجامعة العربية ودورها ليس مجديًا في الوقت الراهن، بل الأجدى إصلاح هذه المؤسسة العربية وإعادة هيكلتها بالكامل على الأصعدة المالية والإدارية والسياسية.
فالخبر الذي نشرته جريدة "إيلاف" الإلكترونية الدولية عن مطالبة "لجنة عربية بإصلاح وتطوير جامعة الدول العربية بما في ذلك ميثاقها وإلغاء قرار المكافأة الخاصة للأمين العام" يحمل مبررات موضوعية وعملية.
فجامعة الدول العربية بصيغتها ودورها الحالي تُعد عبئًا أكثر من كونها مؤسسة فاعلة ومؤثرة في العمل العربي المشترك وذات قيمة سياسية على الساحتين الإقليمية والدولية.
لقد أدى غياب الرؤية السياسية الإصلاحية في جامعة الدول العربية وافتقارها لأدوات التشخيص والتحليل والتأثير إلى فقدان المصداقية والواقعية والبراغماتية، وتحولها إلى كيان عليل نتيجة ضبابية العمل، وتأثيرات إقليمية، ومجاملات، ومبالغات سياسية!
لذلك، فإن الحديث عن الإصلاح المؤسسي لا ينبغي أن يكون شكليًا أو سطحيًا، بل جذريًا وواقعيًا، يبدأ بإعادة هيكلة الجامعة العربية وميثاقها وأنظمتها المالية والإدارية وضمان الاستقلالية من دون مداهنة لدولة المقر أو أي دولة أخرى.
لا يجوز تجزئة الإصلاحات وإعادة الهيكلة في جامعة الدول العربية، أو تجزئة الأهداف المحورية المنشودة عن الأبعاد الاستراتيجية، من دون تجاهل تراكم التحفظات والملاحظات للعديد من الدول الأعضاء على عمل الجامعة منذ عقود من الزمن.
لم تشهد جامعة الدول العربية تغييرًا ملموسًا أو تحديثًا في طبيعة عملها وأسلوب خطابها الإعلامي والسياسي، في حين تتمتع دولة المقر بنصيب الأسد في الهيمنة على المناصب، لا سيما منصب الأمين العام، وربما توجيه عمل الجامعة عمومًا!
إن الوضع الذي نشهده على الساحتين العربية والدولية يتسم بالحساسية الشديدة وسط ظروف شديدة الاستثنائية، وهو الأمر الذي يحتم المصارحة ومباشرة إعادة هيكلة جامعة الدول العربية من دون تسويف أو تأجيل أو تأخير.
لقد بات أمرًا ملحًا فصل عمل جامعة الدول العربية عن دولة المقر، وإجراء عملية جراحية عميقة لهذه المؤسسة العربية، فالإصلاح يحتم النظر إلى الجامعة بمعزل عن دولة المقر، فالعلاقات العربية مع جمهورية مصر شيء، والإصلاحات المنشودة عربيًا ودوليًا شيء آخر.
ثمة العديد من المتغيرات والمستجدات على الأصعدة العربية والدولية والإقليمية، لكن ظلت جامعة الدول العربية كما هي منذ عقود لعدة أسباب محورية، وفي مقدمتها ميثاق الجامعة، والأنظمة المالية والإدارية، ونمطية الارتباط مع دولة المقر ومراكز القرار السياسي!
لقد آن أوان التغيير والتحديث في الجامعة العربية، وأولوية الأولويات تحتم تناوب الدول العربية على منصب الأمين العام والأمناء العامين المساعدين، وخصوصًا من قبل الدول الممولة بسخاء شديد، من دون إهمال أو تجاهل الأدوار المحورية التي تلعبها بعض الدول العربية على الساحتين الدولية والإقليمية.
لم تأتِ التحفظات من المراقبين الدوليين من فراغ، فجامعة الدول العربية تعاني من حالة سياسية مستعصية، إن لم تكن حالة موت سريري تقتضي عملية إنقاذ عاجلة.
التعليقات