في عالم تسوده الماديات، تبرز فئة من الأفراد يُطلق عليهم "حديثو النعمة"، الذين ينتقلون فجأة من الفقر أو الوضع المتوسط إلى الرفاهية والثروة. لكن هذا الصعود السريع، خاصة عندما يكون مدفوعًا بالتضحية بالكرامة أو القيم الأخلاقية، يحمل معه تحديات نفسية واجتماعية عميقة. يعاني هؤلاء من إشكالات نفسية تنبع من نقص القيمة الذاتية، والخوف من فقدان الثروة، وفقدان الهوية الأخلاقية، مما يجعلهم عرضة لسلوكيات مدمرة. بناءً على التقرير المقدم وخلفيتي كدبلوماسي سعودي من أسرة نبيلة ميسورة الحال، واستنادًا إلى خبرتي الأكاديمية والعملية، يستعرض هذا المقال هذه الإشكالات ويقترح سبل التعامل معها، مستلهمًا القيم الأصيلة التي تربيت عليها من تاريخ عائلتي المشرف.

الإشكالات النفسية: صراع داخلي بين الثروة والهوية
حديثو النعمة الذين يلجأون إلى بيع كرامتهم لتحقيق الثروة غالبًا ما يواجهون ما يُعرف بـ"متلازمة الثراء الفجائي". وفقًا للتقرير، تشمل هذه المتلازمة العزلة الاجتماعية، والشعور بالذنب، والخوف المستمر من خسارة الثروة. هذه الحالة تتفاقم عندما يكون مصدر الثروة مشكوكًا فيه أخلاقيًا، مما يؤدي إلى صراع داخلي يهدد استقرارهم النفسي.

  1. نقص القيمة الذاتية: يعاني هؤلاء من شعور عميق بعدم الكفاءة، فيسعون لتعويضه بشراء المظاهر المادية أو السعي وراء الاعتراف الاجتماعي. على عكس ذلك، تربيتي في بيئة تحترم القيم والتاريخ المشرف، المستمدة من إرث جدي الفارس عيد بن سعران السبيعي، علمتني أن القيمة الحقيقية تكمن في الأخلاق والإسهامات المجتمعية، وليس في المال.

  2. فقدان الهوية الأخلاقية: التضحية بالكرامة تؤدي إلى انفصال عن القيم الأصلية، مما يسبب القلق والاكتئاب. هذا يذكرني بقصص الأبطال في نجد، حيث كان الفارس يُقاس بشرفه وكرامته، لا بثروته.

  3. السلوكيات الذاتية التدميرية: كما يشير التقرير، قد يلجأ هؤلاء إلى الإنفاق المفرط أو الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر لإثبات وجودهم، مما يعرضهم للإفلاس أو فقدان الثقة. دراسة أُجريت عام 2014 وُثّقت في التقرير أظهرت أن 1900 من 35000 فائز باليانصيب أعلنوا إفلاسهم خلال خمس سنوات.

السلوكيات: من التباهي إلى الانتهازية
تتجلى إشكالات حديثي النعمة في سلوكياتهم، التي تعكس محاولات يائسة لإثبات الذات:

  • التباهي المفرط: يعتمدون على الممتلكات الفاخرة لجذب الانتباه، لكن هذا غالبًا ما يعزز عزلتهم الاجتماعية.

  • الانتهازية: قد يستغلون العلاقات أو الفرص دون مراعاة الأخلاق، مما يؤدي إلى فقدان الثقة من الآخرين.

  • الحساسية للنقد: يتفاعلون بعنف مع أي نقد، مما يعكس هشاشة هويتهم الجديدة.

هذه السلوكيات تتناقض مع ما تعلمته من خبرتي الدبلوماسية، حيث تُبنى العلاقات على الاحترام المتبادل والمصداقية. في عملي كدبلوماسي، كنت أرى كيف يمكن للتواضع والالتزام بالمبادئ أن يبنيا جسورًا دائمة، بينما المظاهر الزائفة تتلاشى سريعًا.

كيفية التعامل مع حديثي النعمة: نهج دبلوماسي مستلهم من الخبرة
استنادًا إلى خبرتي التي تزيد عن 18 عامًا في الدبلوماسية وتصميمي لدورات تدريبية تركز على التواصل والقيم، أقترح استراتيجيات فعالة للتعامل مع هذه الفئة، مستلهمة من القيم السعودية الأصيلة ورؤية 2030:

  1. التدخل النفسي والتوجيه: يحتاج هؤلاء إلى دعم نفسي لمعالجة نقص القيمة الذاتية. يمكن للعلاج المعرفي السلوكي مساعدتهم على إعادة بناء هويتهم بعيدًا عن الماديات. في دوراتي التدريبية، أركز على الذكاء العاطفي لتعزيز الثقة الداخلية، وهو نهج يمكن تطبيقه هنا.

  2. التعليم المالي والأخلاقي: كما أوصى التقرير، يجب تعليمهم إدارة الثروة بمسؤولية. أضيف إلى ذلك تعزيز القيم الأخلاقية من خلال ورش عمل مستوحاة من تاريخنا، مثل قصص الفرسان في نجد، لإلهامهم بالتمسك بالشرف.

  3. الدعم الاجتماعي: تشجيعهم على بناء علاقات صادقة يقلل من العزلة. في سياق رؤية 2030، يمكن دمجهم في مبادرات مجتمعية مثل المشاريع الثقافية أو البيئية، مما يمنحهم شعورًا بالانتماء.

  4. وضع الحدود: إذا أظهروا سلوكيات استغلالية، يجب التعامل بحزم مع وضع حدود واضحة، مستلهمين من نهج الدبلوماسية الوقائية التي أدرّسها في دوراتي.

  5. الإلهام بالنماذج الإيجابية: كما أفعل في دوراتي عن الدبلوماسية الناعمة، يمكن تعريضهم لنماذج ناجحة تجمع بين الثروة والأخلاق، مثل قادة سعوديين ساهموا في رؤية 2030.

رؤية سعودية: إعادة صياغة مفهوم النجاح
كجزء من أسرة سعودية نبيلة، أرى أن الثروة الحقيقية تكمن في الإرث الأخلاقي والإسهامات المجتمعية. رؤية 2030، التي أدمجها في دوراتي، تؤكد على الاستدامة والقيم، وهي دعوة لإعادة صياغة مفهوم النجاح بعيدًا عن الماديات. حديثو النعمة بحاجة إلى هذا الإلهام لفهم أن القيمة الذاتية لا تُشترى، بل تُبنى من خلال العمل الشريف والالتزام بالمبادئ.

إشكالات حديثي النعمة ليست مجرد تحديات فردية، بل انعكاس لصراع أعمق بين المادية والقيم. من خلال فهم دوافعهم النفسية - مثل نقص القيمة الذاتية والخوف من الفقدان - وتطبيق استراتيجيات دبلوماسية مستلهمة من خبرتي وقيمي، يمكن مساعدتهم على استعادة توازنهم. كما علمني إرث عائلتي وتاريخ نجد، الكرامة هي الثروة الحقيقية التي لا تُباع، والنجاح الحقيقي هو ما يخدم المجتمع ويترك أثرًا إيجابيًا. فلنستلهم من رؤية 2030 لنبني جيلًا يجمع بين الطموح والأخلاق، بعيدًا عن وهم الثروة الفجائية.