علي عبيد الهاملي
هل حدث أن مررت أمام محل في أحد المجمعات التجارية الكبرى، ورأيت حشوداً من البشر تصطف في طوابير، منتظرة دورها للحصول على دمية أصبحت معشوقة الجماهير في الآونة الأخيرة؟.. إذا لم يحدث لك ذلك، فأنت لست من رواد المجمعات التجارية الكبرى، أو أنك لم تسمع بعد بالدمية «لابوبو» التي أطبقت شهرتها الآفاق، وأنك مشغول بأمورٍ أخرى، قد تَسِمُك بالتخلف في نظر البعض.
في عالمنا هذا، حيث تتسارع وتيرة التغيرات بشكل غير مسبوق، تبرز بعض الظواهر التي تحمل في طياتها مزيجاً من الغرابة والجاذبية، لتغزو كل زاوية من زوايا حياتنا. إحدى هذه الظواهر هي «لابوبو».. لعبة قد تبدو للكثيرين مجرد دمية صغيرةٍ ذات وجه عابس، لكن وراء هذه اللعبة البسيطة يكمن عالمٌ من الظواهر الثقافية الاجتماعية التجارية التي يعجز البعض عن فهمها.
اعتقد البعض في البداية أنها مجرد دمية صغيرة، لكن مع مرور الوقت اتضح أن هذه الشخصية، التي ظهرت لأول مرة عام 2015 في سلسلة من الكتب المصورة، قد تحولت إلى واحدة من أبرز الظواهر الحديثة. «لابوبو» التي تميزت بملامح غريبة، مثل آذان مدببة وأسنان فوضوية ووجه عابس، لم تعد مجرد دمية تقليدية، بل أصبحت رمزاً للغموض والجمال المختلف في نظر البعض! هكذا، وخلال فترة قصيرة، انتقلت هذه الشخصية من على صفحات الكتب المصورة لتصبح جزءاً من عالم الإثارة والتجارة.
لم تقتصر «لابوبو» على أن تكون مجرد دمية بل تجسدت في مجموعة متنوعة من الأشكال والأحجام والألوان، ما جعلها تتحول إلى هوس بين محبي الألعاب والدمى .. من هنا، بدأ محبو هذه الدمية في اقتنائها وتداولها، وتوالت الإصدارات المختلفة التي أصبحت تجذب أكثر فأكثر انتباه عشاق الظواهر غير المألوفة.
لكن ما الذي جعل «لابوبو» تصل إلى هذه الشعبية الكبيرة؟ .. هنا يأتي دور عنصر المفاجأة في اللعبة، حيث يتم بيع دمى «لابوبو» ضمن صناديق مغلقة، بحيث لا يعرف المشتري أي إصدار سيحصل عليه حتى يقوم بفتح الصندوق الذي اشتراه. هذه الفكرة البسيطة أضافت عنصر التشويق والإثارة لدى محبي جمع الألعاب والدمى، وجعلت كل عملية شراء رحلة اكتشاف جديدة .. فكما هو الحال مع الألعاب المجمعة، مثل بطاقات «البوكيمون»، صار للعبة «لابوبو» سحر خاص ومختلف، مغلف بالغموض والإثارة.
أينما توجهت أنظارك هذه الأيام، ستجد «لابوبو» تتسلل إلى كل زاوية من زوايا وسائل التواصل الاجتماعي .. هذه اللعبة، التي كانت في البداية مجرد فكرة غريبة لدمية ذات وجه عابس، أصبحت اليوم شكلاً للتميز في عالم الشباب، وغزت عالم غير الشباب، وغدت رمزاً للفن الغريب الذي يعكس التغيرات السريعة في أذواق الأجيال المختلفة.
عبر منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك»، بدأ مئات الآلاف من المستخدمين في نشر صورهم مع دمى «لابوبو»، ودمجها في ملابسهم وسياراتهم كإكسسوار عصري .. البعض ذهب إلى أبعد من ذلك، ليصنع محتوى مخصصاً لهذه الشخصية، يدمج بين الأدوات الفنية والتعبير الشخصي، ليجعل منها جزءاً من ثقافته الخاصة.
من خلال هذه الظاهرة، لم تقتصر «لابوبو» على كونها مجرد لعبة أو دمية، بل أصبحت جزءاً من حركة بدأت تأخذ شكلاً عالمياً .. فالشخصية التي بدأت على صفحات كتب مصورة أصبحت اليوم منتشرة في أيدي الآلاف حول العالم، تحمل في طياتها رسائل متعددة من التمرد على المألوف إلى التأكيد على التميز والاختلاف.
وإذا كانت «لابوبو» قد بدأت كدمية عابسة في عالم غريب، فإنها اليوم أصبحت ظاهرة اجتماعية وتجارية، تجمع بين الترفيه والفن والشغف الشخصي .. فقد أثبتت هذه اللعبة كيف يمكن لشيء بسيط أن يتحول إلى رمز ثقافي عالمي، حينما يكون خلفه فكرة مبتكرة وأسلوب تداول جديد يعكس التغيرات السريعة في ثقافات الأجيال. «لابوبو» ليست مجرد دمية، بل هي رمز للعصر الذي نعيشه، حيث يلتقي الفن بالتجارة، ويعكس اختلاف الأفراد وتنوع اهتماماتهم. في النهاية، تبقى هذه الظاهرة درساً في كيفية تحول الأشياء الصغيرة إلى تأثيرات ثقافية كبرى، تترجم إلى شغف يجذب العالم كله نحو عالم غريب، ويجعله يقف في طوابير طويلة من أجل الحصول على دمية. لا ترفع حاجبيك مستغرباً، فربما وجدت نفسك قريباً واقفاً في طابور طويل من أجل الحصول على «لابوبو».
التعليقات